التخطيط الاستراتيجي، لا بديل للإنسان عن رسالة يؤديها فيؤمن بها ويعمل من أجلها، ورؤية يرى ويتحرك من خلالها، وأهداف محددة يسعى ويسخر حياته من أجل تحقيقها.
فعلى كل إنسان أن يحدد رسالته في الحياة، ويبنى رؤيته التي ستنير طريقه. ويضع أهداف تجذبه إليها حتى كلما اقترب من تحقيقها زاد شوقه لرؤية اكتمالها وجني ثمارها ليراها واقعًا ملموسًا وكيانًا شامخًا. فلا يعرف التكاسل ولا يتوانى لحظة عن الجد والعمل ويحيى بالأمل ماضيًا في طريقه بالتحدي والإصرار. هكذا يكون من أراد أن تكون له استراتيجية في الحياة بعيدًا عن الإحباط والعشوائية.
مفهوم و تعريف التخطيط:
تعريف التخطيط هو عملية المواءمة بين الموارد والاحتياجات واختيار أفضل مسار وطريق من بين المسارات البديلة. ووضع ذلك في شكل خطة وميزانية لتحقيق أهداف محددة في المستقبل. بمعنى أن التخطيط هو مرحلة التفكير التي تسبق تنفيذ أي عمل والتي تنتهي بإعداد خطة العمل.
تعريف آخر للتخطيط
ويعرف محمود عمر محمود التخطيط بأنه نشاط إنسانى واعي يستند إلى توظيف المنطق العلمي في التفكير والتدبير لتحديد أهداف معينة وتعيين وسائل تحقيقها.
متى كان ظهور وبداية التخطيط
كان أول ظهور لمصطلح التخطيط في عام 1910م من خلال مقال للاقتصادي النمساوي “كريستيان ستونير” ثم بدأ هذا في الظهور أكثر عندما بدأ الاتحاد السوفيتي بمبدأ التخطيط الشامل 1928م .
ورغم هذه البداية الحديثة لأهمية التخطيط في أواخر القرن الـ20 ومع بدايات القرن الحادي والعشرين مع التقدم العلمي وظهور التكنولوجيا الحديثة وما لعبه من دور بارز في هذا التحول الكبير وما تلاه من تطور وتغيير سريع في طبيعة الحياة الإنسانية وفي نمط الحياة البشرية. إلا أن تطبيق معاني التخطيط في أغلب نواحي الحياة قديم قدم الحياه البشرية نفسها.
قصة “سيدنا يوسف” وكيفية النجاة من (السبع سنوات العجاف) مثال للتخطيط الجيد
ويظهر معاني التخطيط جليًا في قصة “سيدنا يوسف” وتفسيره لرؤيا الملك وكيفية النجاة من (السبع سنوات العجاف)، حيث لا مطر ولا زرع. فأشار عليهم “سيدنا يوسف عليه السلام” أنه سيسبق هذه السنوات العجاف، سبع سنوات من الخير والزراعة. وعليهم كي يصلوا إلى النجاة أن يتركوا محصول زراعتهم في “سنبله”. فهذه هي الطريقة الوحيدة حتى لا يفسد ثم يأكلوا فقط بقدر حاجتهم والباقي يدخرونه لما هو قادم ومنه يخافون.
ثم إذا أتت السبع العجاف أخذوا مما ادخروا بقدر ما يحتاجون حتى تنقضي هذه السنوات السبع. فيأتي الفرج والغوث من الله (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) سورة يوسف. فينزل المطر وينبت الزرع وفيه يعصرون العنب والدهن وغيرهم من الثمرات.
ولو نظرنا هنا نجد أن “المشكلة” كانت في سنوات المجاعة السبع، “والموارد المتاحة” هي محاصيلهم الزراعية في السبع سنوات الأولى السابقة للقحط. حيث لا مطر ولا زرع “والهدف” هو استغلال الموارد المتاحة من زراعتهم إلى أقصى درجة ممكنة في مدة معينة حتي تحقيق النجاة من سنوات القحط والمجاعة تلك.
وهذا ما استطاع نبي الله أن يوجد به حل لمشكلتهم ونجاة لحياتهم. وهذا نفسه ما يقوم عليه علماء التخطيط والإدارة في فهم معنى التخطيط. بوضع الأهداف المراد تحقيقها، مع الاستغلال الأمثل للإمكانيات والموارد المتاحة خلال فترة زمنية معينة. والوصول إلى أعلى النتائج بأقل تكلفة في الوقت والمال والجهد.
وعبر مفهوم وتعريف التخطيط يجب أن يجيب الإنسان على عدة أسئلة:
- أين أنا الآن؟ (الوضع الحالي).
- ماذا أريد؟ (الهدف).
- كيف ومتى أصل إلى ما أريد؟ (الخطة).
- وهنا تأتي الخطوة الرابعة وهي دائمة ومستمرة لماذا أريد هذا الشيء؟ (الدافعيه والحافز).
وهذه ليست أسئلة في امتحان أو أسئلة يقرأها الإنسان ليمر عليها مرور الكرام فإن لها ما بعدها. فكلما استطاع الإنسان الإجابة على هذه الأسئلة بوضوح وقناعة، كلما كان التخطيط قويًا وناجحًا وفعالًا. وكل شخص له إجابته المختلفة، فهذه الأسئلة تختصر حياة الفرد. وكل منا له حياته الخاصة التي يعيشها ويتمنى أن يكون عليها مستقبله.
لذلك على الإنسان أن يحدد ثلاثة نقاط أساسيه:
- 1-وضعه الحالي.
- 2-المكان الذي يريد أن يصل إليه والهدف الذي يطمح في تحقيقه.
- 3-الطريقة الموصلة للمكان والهدف الذي يطمح إلى تحقيقه وكلما كانت هذه الطريقة ناجحة وجيدة كانت الخطة جيدة وفعالة.
اهمية التخطيط:
إن وجود الكم الهائل من الفرص المتاحة ومقابلها وجود عدد أكبر من التحديات مع اقتران ذلك بسرعة التغيير والتطوير في العالم. لهي من أهم الأسباب التي جعلت التخطيط محوريًا وضروريًا للحصول على نصيب الأسد من هذه الفرص المتاحة وتفادي العقبات. بالاضافة إلى توفير الوقت والجهد حتى يلحق الإنسان بركب التغيير والتطوير ويسبقه مع تحقيق أقصى درجات المنافسة والتميز.
وبالتالي فإن التخطيط ليس فقط نمطًا في التفكير بل هو نمط حياتي أيضًا. وإن كان لا يمكننا أن نقوم بالتخطيط لجميع أمور حياتنا وإلا احتجنا إلى عمر فوق أعمارنا للتخطيط فقط. ولكن يجب أن يلقي التخطيط بظلاله على حياة الإنسان في تفكيره وفي سلوكياته وفي قراراته. ويكفي أن يكون في الأهداف الكبيرة والمتشعبة والأكثر أهمية. وهكذا تكون الأطر العامة للمستقبل واضحة وجلية. فيسير الإنسان وفق خطة ومنهج عام وخطوط عريضة، تكون مثل المنارة التي يرى بها طريقه فيعرف هل هو يسير على الطريق الصحيح أم انحرف. وإذا حدث وتكاسل في أدائه عرف ذلك بتأخره عن الخطوط والمراحل المحددة مسبقًا فيحسن من أدائه ويزيد من عمله وجهده.
اهمية التخطيط في نجاح الانسان وتحقيق اهدافه:
- إن الخطة التي يقوم بها الإنسان عبر الخطوات والإجراءات المحددة وفي أوقات معدة مسبقًا، للوصول إلى غاية ما ( الهدف الموضوع من أجله الخطة) لـأمر لا غني عنه لمن يريد النجاح وإنجاز أهدافه . وعلى الإنسان الاشتراك بعقله وفكره في التخطيط وتحديد رؤيته بنفسه.
- “فإن لم تحدد رؤيتك بنفسك فلن يستطيع أحد أن يحدد لك رؤيتك، قد يساعدك البعض ويشير عليك، ولكن عقلك وتفكيرك يجب أن يؤمن بها، حتى تكافح من أجل تحقيقها”.
- فكيف لمن ليس له أهداف محددة ونتائج يطمح إليها أن يقيس حياته بالنجاح أو الفشل. فما هو المعيار إن لم يضع الإنسان بنفسه معايير وخطوات النجاح وفي أوقات محددة عليه اجتيازها وإلا كان هذا الشخص في الجهة المقابلة للتخطيط وهي العشوائية والتخبط عبر حياة تقليدية لن يصل منها إلى أي نتائج ملموسة لغياب بوصلته التي يرى بها اتجاهه القادم. فكيف سيعرف إلى أي اتجاه يسير من لم يحدد اتجاهه ووجهته بعد.
- “إذا كنت لا تعرف أين تريد الذهاب فكل طريق سيذهب بك إلى لا شيء” هنري كسنجر.
- ومن هنا نؤكد على ضرورة واهمية التخطيط أن ينظر الانسان من خلاله إلى المستقبل ويعرف ما به من نقاط القوة فيعمل على استغلالها في خطته. وكذلك يعرف أيضًا الفرص التي أمامه فيبدأ بتنظيمها وجدولتها وإلأ مر الوقت منه دون انجاز شيء .
- فعبر التخطيط يرى الانسان هدفه وما انجزه منه وما يجب عليه فعله في المستقبل فيتحكم في وقته ولا يضيع منه هباء منثورا.
- إن التخطيط يجعل حياة الانسان اكثر تنظيما.
مقالات ذات صلة